اذا اهوي القلب
المحتويات
يغط في نومه بإرتياح حتى بدأت تعابير وجهه في التشنج قليلا بسبب ذلك الرنين المتواصل لهاتف ما.
استعاد وعيه نوعا ما لكنه لم يستيقظ كليا.
في البداية ظن منذر أنه يحلم وأن صوت الهاتف ضمن حلمه الغير مفهوم فلم يهتم وقاوم نداء عقله بالإستيقاظ والانتباه.
لكن مع تكراره أفاق تدريجيا من نومه.
مد يده نحو الكومود محاولا البحث عنه والإمساك به لوقف صوته المزعج لكنه لم يجده فرفع رأسه مجبرا عن الوسادة ليبحث عنه بعينين ناعستين.
كان الرنين أتيا من مكان أخر.
فرك وجهه بكفه وتثاءب بصوت مسموع ثم رمش بعينيه لأكثر من مرة ليعتاد على الإضاءة الخاڤتة بغرفته.
تكرر الرنين فانتصب في نومته وإشرأب بعنقه للأعلى مديرا رأسه للجانب.
تحركت عيناه صوب التسريحة حيث ذلك الكيس البلاستيكي.
تثاءب مرة أخرى بإرهاق ثم أزاح الغطاء بعيدا عنه ونزل عن الفراش ليخرجه من الكيس.
فرك فروة رأسه بكف يده عدة مرات وهو يدقق النظر في شاشته الصغيرة ذات الإضاءة البرتقالية ليرى رقما غريبا صادحا عليها.
ضغط على زر الإيجاب قائلا بصوت متحشرج
الو..
مع حضرتك فندق .... ده رقم السيدة حنان
أجابها بإختصار
اه هو..
استأنفت حديثها قائلة بنبرة رسمية
طب حضرتك احنا بنسأل عنها المفروض كانت عاملة حجز عندنا هي وبنتها بس بقالها كام يوم مش ظاهرة والمفروض تعمل check out!
الست حنان تعيشي انتي!
اضطربت نبرة الموظفة بعد تلقيها لهذا الخبر الصاډم وهتفت معتذرة
أنا أسفة جدا يا
فندم البقاء لله!
رد عليها بصوت متحشرج
الدوام لله متشكر!
زاد ارتباكها وهي تتابع مبررة موقفها
أنا.. انا معرفش ومحدش بلغ إدارة الفندق!
عادي حصل خير!
قالها منذر على مضض محاولا إنهاء الحديث معها لكنها أكملت مكالمتها مضيفة بجدية
طب يا فندم بالنسبة للمتعلقات الخاصة بالمرحومة وباقي الحساب احنا محتاجين حد يجي يستلم الشنط ويوقع الأوراق ويدفع ال....
بالطبع أدرك أن عليه أن يحل تلك المسألة العالقة فورا فالموظفون بتلك الفنادق دوما يحاولون إنجاز أعمالهم بصورة رسمية لذا قاطعها قائلا بنبرة حاسمة ودون الإطالة في التفكير
أنا هاجي عندكم أخلص كل حاجة!
ردت عليه الموظفة بهدوء
تمام يا فندم في انتظار حضرتك بس ممكن أسجل اسمك عشان الاجراءات!
أجابها بنفاذ صبر
منذر طه حرب!
تابعت مجاملة بنفس النبرة المعتادة في عملها
شكرا ليك أستاذ منذر وفي انتظارك في أي وقت ومرة تانية بأكرر تعازيا الحارة للمرحومة!
رد عليها بإيجاز وقد زاد عبوس وجهه
العفو!
ضغط على زر الإنهاء وتطلع أمامه بنظرات فارغة ثم حدث نفسه بضجر وهو يضغط على شفتيه
الظاهر إتكتب عليا أخلص كل حاجة تبع عيلة خورشيد!
.............................
شعرت بلمسة رقيقة تداعب وجهها لتسحبها إلى أرض الواقع بعيدا عن أحلامها الحزينة.
ظلت تفتح وتغمض جفنيها بحركة عفوية وهي تحاول الاستسلام لسلطان النوم الذي كان يجافيها طوال الليل.
أوقظتها عمتها عواطف بصوت دافيء قائلة بود وابتسامتها الحنونة لم تفارق شفتيها
اصحي يا أسيف فوقي يا حبيبتي عشان تفطري معانا
ردت عليها أسيف بصوت متثاقل وناعس للغاية
مش عاوزة
مسدت عواطف على رأسها برفق قائلة
لا مافيش حاجة اسمها مش عاوزة انتي دلوقتي في بيتك تقومي تاكلي وتشربي براحتك وأنا مش هاسيبك كده هفتانة!
ردت عليها أسيف معتذرة بتهذيب
معلش ماليش نفس!
ألحت عليها عواطف بإصرار أكبر
ده أنا عاملة فطار تاكلي صوباعك وراه قومي اغسلي وشك ويالا يا بنتي ده بنات عمتك مستنينك !
تذكرت أسيف تلك الشابتين اللاتين قابلتاها بفتور ممزوج بالإنزعاج.
تجدد في نفسها الإحساس بعدم الترحيب بالمنزل فردت بنبرة حرجة
بلاش أضايقهم بوجودي ك.. كفاية اني أخدت أوضة....
قاطعتها عواطف قبل أن تكمل جملتها قائلة بجدية
تضايقي مين هما بس لسه مش واخدين عليكي!
ثم ابتسمت أكثر وهي تكمل بنبرة ودودة
بس أما هاتعرفيهم هتحبيهم والله وبعدين البت بسمة رغم لسانها الطويل إلا ان قلبها طيب وتتحب!
أزالت عنها الغطاء قليلا لتشجعها على النهوض
يالا يا بنتي والله هتتبسطي معانا قومي يالا
في الأخير اضطرت أسيف أن تلبي رغبة عمتها فلن تبقى في الفراش للأبد. عليها أن تختلط بعائلتها الجديدة.
........................................
استقل منذر سيارة أجرة ليصل إلى الفندق المنشود.
لم تكن المسافة بعيدة فقد كان قريبا من منطقته الشعبية.
توقف السائق أمام المدخل فترجل هو منها واتجه للإستقبال ليقول للموظفة المتواجدة خلف الطاولة الرخامية العالية بجدية
كان جالي تليفون من اللوكاندة هنا يقولي أستلم حاجة المرحومة حنان!
سألته الموظفة بنبرة عملية وهي تحدق فيه بتفرس
أستاذ منذر طه
أجابها بجدية دون أن تطرف عيناه
اه أنا
أسندت أمامه على الطاولة عدة أوراق وقلم حبري قائلة بهدوء
اتفضل حضرتك أنا مجهزة كل حاجة ناقص بس دفع باقي التكاليف وحضرتك هتطلع بعدها مع العامل للأوضة تستسلم المتعلقات الشخصية
لوى ثغره ليقول بجمود
ماشي
ثم هتفت الموظفة بصوت مرتفع وهي تشير بيدها لأحد العاملين
عماد من فضلك اطلع مع الأستاذ منذر أما يخلص توقيع الورق لأوضة رقم ...
رد عليها العامل بنبرة مطيعة
حاضر يا آنسة
.................................
بعد برهة استقل منذر المصعد ليصل إلى الطابق المتواجد به الغرفة السابقة للنزيلة حنان.
جاب هو الرواق بنظرات عمومية شاملة دارسا لتفاصيله.
لم يكن الفندق على قدر من المستوى لكنه كان ملائما للطبقة المتوسطة وأسعار غرفه نوعا ما
زهيدة.
سبقه العامل بخطوتين ليفتح الباب له قائلا بترحيب متقن
اتفضل يا فندم دي الأوضة!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرد
طيب..
أشار له العامل بذراعه متابعا
الحاجة زي ما هي يا فندم محدش جه جمبها!
رد عليه منذر بتنهيدة وهو يدور ببصره في أرجاء الغرفة متفقدا محتوياتها
ماشي أنا هاجمعهم!
اقترح العامل مد يد العون له قائلا بتهذيب
لو تحب أساعد سيادتك.....
قاطعه منذر باقتضاب وهو يخرج له حفنة من البقشيش ليعطيها له
مافيش داعي!
اعتلى ثغر العامل ابتسامة سعيدة للغاية بعد تلقيه لهذا المبلغ وهتف قائلا بحماس
شكرا يا فندم أنا واقف برا لحد ما حضرتك تخلص أنزلك الشنط لتحت!
هز منذر رأسه قائلا بتفهم
طيب
انتظر هو حتى انصرف العامل من الغرفة ثم وقف في منتصفها ينظر بحيرة حوله وواضعا ليديه على منتصف خصره.
نفخ مجددا بضيق وهو يحدث نفسه
دايما بأتحط في مواقف عجيبة مع العيلة دي!
عبست نيرمين بوجهها للغاية حينما رأت والدتها مقبلة عليها بعد أن طال تواجدها بغرفة أختها بسمة لتوقظ ابنة خالها التي ظهرت لها من العدم.
هتفت بتهكم قاسې وهي تطرق بأصابعها على سطح طاولة الطعام
صحي النوم احنا هانموت من الجوع وفي ناس ولا على بالها!
رمقتها أمها بنظرات حادة وهي توبخها
بطلي نأرزة يا نيرمين ما انتي كل يوم بتصحي العصر ماجتش من 5 دقايق يعني اتأخرت فيهم!
انزعجت نيرمين من عدم اكتراث والدتها بها فصاحت معاتبة بشدة
جرى ايه يا ماما هو انتي هتقفي في صفها من دلوقتي احنا بناتك!!!!!
ردت عليها عواطف بنبرة جادة وقد قست نظراتها
وهي بنت المرحوم أخويا رياض يتيمة ومعدتش ليها حد إلا احنا يا ريت تفهمي ده!!
احتجت نيرمين على أسلوبها وردت قائلة
بس....
رفعت عواطف كف يدها في وجهها وهي تقاطعها بحدة قليلة
من غير بسبسة عاملي البت كويس يا نيرمين بدل ما أقلب على الوش التاني
رمقت نيرمين والدتها بنظرات ضائقة وتمتمت مع نفسها بسخط وبصوت خفيض
مابقلهاش يوم في البيت وشقلبت حال أمي! اومال لو اعدت معانا أكتر من كده هاتعمل ايه!!!!
التفتت عواطف برأسها لتجد أسيف تتحرك ببطء نحوهما كانت تقدم قدما وتؤخر الأخرى وهي تسير بتردد ظاهر للعيان.
هتفت عمتها قائلة بتشجيع
تعالي يا أسيف دي نيرمين بنتي الكبيرة انتي شوفتيها قبل كده في المستشفى ساعة...
قاطعتها أسيف بحرج قليل
أها فكراها!
ثم استدارت برأسها نحوها لتهمس بصوت خجل وهي تحاول الابتسام
صباح الخير
ردت عليها نيرمين بنبرة متجهمة
أهلا!
ثم أشاحت بوجهها بعيدة عنها متجاهلة إياها عن عمد وأكملت ببرود
مش هناكل بقى ولا هنفضل نسلم ونرحب ببعض كتير!
نظرت لها عواطف شزرا وهمست بصوت مزعوج من طريقتها الجافة في التعامل معها
استغفر الله العظيم يا رب
التفتت مجددا نحو ابنة أخيها وربتت على ظهرها قائلة بنبرة مرحبة
اقعدي يا أسيف مدي ايدك يا بنتي وكلي
جلست الأخيرة على إستحياء على الطاولة وتحاشت النظر إلى نيرمين فهي تفهمت شعورها نحوها ولن تجبرها على تقبل وجودها.
تعلقت أنظارها بصحن الطعام الموضوع أمامها وبدت حرجة للغاية وهي تلتقط لقيمات صغيرة من الخبز..
صاحت عواطف بنبرة متلهفة
إن شاء الله الأكل يعجبك!
ثم وقفت إلى جوارها وصبت لها الشاي الساخن في قدحها وتابعت متسائلة باهتمام
قوليلي تحبي أعملك ايه على الغدا
هزت رأسها نافية وهي ترد بصوت متلعثم
ولا حاجة ماتتعبيش نفسك!
قطبت عواطف جبينهاوردت مستنكرة
تعب ايه بس احنا بنطبخ كل يوم يعني مافيش جديد بصي النهاردة أنا هاعملك فراخ وبطاطس وخضار و....
اتسعت حدقتي نيرمين مشدوهة من ذلك الحماس العجيب الذي سيطر على والدتها وكأن من تسكن معهن هي سفيرة أتت من الخارج فشهقت مصډومة
الله الله! دي وليمة بقى!
سلطت عواطف أنظارها الحادة
عليها وردت بحماس أكبر لتثير غيظها
اه وليمة وإن كان عاجبك هو أنا عندي أعز من بنت رياض!
ثم مسحت على ظهرها بنعومة لتستفزها أكثر.
كزت نيرمين على أسنانها بحنق ونفخت بصوت يصل إلى الآذان معلنا عن ڠضبها مما يحدث.
انتبه ثلاثتهن إلى صوت قرع الجرس فأشارت عواطف بعينيها لابنتها قائلة
قومي شوفي مين!
ردت عليها نيرمين بتبرم
أكيد مش بسمة هي في مدرستها وده مش ميعاد خروجها!
أضافت والدتها قائلة پتعنيف خفيف
قومي افتحي الباب يا نيرمين اتلحلحي يالا!
زفرت بضجر وهي ترد
أوف! طيب قايمة!
اتجهت نحو الصالة وسحبت ذلك الحجاب المنزلي والذي يرتدى عند الحاجة من على ظهر الأريكة ولفته بلا ترتيب حول رأسها واتجهت نحو الباب..
فتحته لتجد منذر أمامها واقفا على عتبة منزلها فحدقت فيه بإستغراب.
لم تنتبه إلى الحقائب التي بحوزته والمسنودة إلى جوار قدميه فقد كانت أنظارها معلقة به.
لكنها سريعا ما أخفضت بصرها عنه حينما قال بصوت رخيم
سلامو عليكم!
ردت بترحيب ودود وهي تتنحى للجانب لتفسح له المجال للمرور
وعليكم السلام اتفضل يا سي منذر!
سمع الاثنان صوت عواطف يأتي من الداخل متسائلا
مين يا نيرمين
أجابتها نيرمين بنبرة عالية وهي تدير رأسها للخلف
ده سي منذر ابن الحاج طه!
ردت بصوت مرتفع
قوليله يتفضل!
التفتت تنظر إليه قائلة بنبرة لطيفة
اتفضل يا سي منذر
وقبل أن يفتح فمه ليعترض رأى عواطف مقبلة عليه هاتفة بصوت متحمس
تعالى يا سي منذرده حماتك بتحبك أنا لسه بأوضب في الفطار و....
قاطعها قائلا بجمود وهو يسلط أنظاره عليها
لامؤاخذة إن كنت جاي من غير ميعاد!
استغربت من رده وقالت بنبرة مجاملة
ده بيتك يا سي منذر!
تابع هو قائلا بنفس الجمود دون أن ترتخي ملامح وجهه
إن مكانش فيها إساءة أدب عاوز أكلم بنت أخوكي في حاجة مهمة!
انقبض قلبها نوعا ما عقب عبارته الأخيرة وانهالت عليه بأسئلة متتابعة دون أن تترك الفرصة لنفسها لتلتقط أنفاسها
أسيف خير في حاجة تانية حصلت قريبها جه تاني
رد عليها باقتضاب
لأ
ثم طلب منها بنبرة ملحة
ناديها بعد اذنك!
ارتابت هي من إصراره على لقاء أسيف وردت بارتباك قليل
اه طبعا اتفضل خش
متابعة القراءة