اذا اهوي القلب
المحتويات
لم يكن الأمر هينا على الإطلاق لكنه كان مضطرا إلى فعل هذا فهي فلذة كبده ولم ينجب سواها أراد أن يضمن لها مستقبلها فكتب لها جزءا من ميراثه الغير معلوم. لكنه حقها الضائع وحقه المسلوب.
احتفظ رياض بذلك في وصية غير معروفة ولم يخبر بها أحدا حتى زوجته فإن نفذ أمره ووجبت ساعته استراح قلبه لوجود ما يعينها على متاعب الحياة.
في الوقت الحالي چثت على ركبتيها أمام فراشه فقدميها لم تقو على حملها بعد ما أصابه وخارت قواه وأصبح عاجزا. لمعت عيناها البنيتين بالعبرات ظلت تشهق محاولة السيطرة على تهدج أنفاسها. شحب وجهها القمحي اللون من رؤيته هكذا.
ماتسبناش يا بابا لينا مين غيرك
رد عليها بصوت خفيض متعب للغاية
ربنا موجود يا أسيف !
رفعت أعينها الباكية لتتطلع إلى وجهه الحاني رأت ما رفضت تصديقه في نظراته الخاوية هو على مشارف المۏت انقبض قلبها بشدة وتوترت أعصابها أكثر نهج صدرها علوا وهبوطا وهتفت متوسلة صوت متلعثم
قاطعها قائلا بهدوء رزين
مټخافيش يا بنتي ربنا مابينساش حد وأنا عملت اللي أقدر عليه عشانك انتي وأمك!
انتفضت في مكانها فزعت حينما شعرت بيد توضع على كتفها فاستدارت برأسها للخلف لتجد ابن خالة والدتها الحاج فتحي يقف ورائها ويردد بجدية
سبيه يرتاح يا أسيف وروحي شوفي أمك
بس أنا عاوزة أفضل جمبه!
هتف الحاج فتحي قائلا بصرامة
الدكتور قال خلوه يرتاح وانتي بكده بتتعبيه!روحي عند أمك دلوقتي وأنا هافضل جمبه
التفتت ناحية أبيها مجددا ورمقته بنظرات حزينة ثم ردت باستسلام
ظلت أنظارها معلقة به وهي تتحرك بخطوات بطيئة إلى خارج الغرفة.
راقبها الحاج فتحي حتى ابتعد تماما فسحب المقعد وجلس إلى جوار رياض ونظر له مطولا قبل أن يستطرد حديثه قائلا بجدية
حاج رياض أنا مش عارف أقولك ايه بس محصول السنادي....
قاطعه رياض قائلا بصوت منهك وهو يشير بكفه المجعد
من غير ما تكمل أنا عارف وحاسس!
تابع الحاج فتحي قائلا بهدوء جاد
أنا عملت اللي عليا وحاولت أعالجه بس زي ما انت عارف يا رياض يا خويا مافيش أنفار كفاية يشتغلوا في الأرض والموجود مش بيسد!
تنهد رياض مرددا بصوت مرهق للغاية
الحمدلله على كل حال
مال عليه بجسده ليضيف بصوت خاڤت يحمل الأسف
أنا مقدرتش أقول الكلام ده قصاد بنتك!
هز رأسه بخفة مجيبا عليه
خير ما عملت هي مش ناقصة كفاية اللي هي فيه!
سعل بعدها بشدة فقد أجهده كثرة الحديث والتفكير. هب الحاج فتحي واقفا والتقط كوب الماء الزجاجي الموضوع على الكومود المجاور للفراش
وناوله إياه قائلا بقلق
خد اشرب يا حاج رياض وبالاها الكلام دلوقتي!
أمسك الكوب بأصابع مرتجفة وتناول منه بضعة رشفات ثم أراح ظهره للخلف..
أعاد الحاج فتحي وضع الكوب في مكانه وأردف قائلا
هاسيبك ترتاح ياخويا وهاعدي عليك تاني وإن شاء الله ربنا يسمعنا أخبار كويسة
رد عليه ممتنا
متشكر يا حاج فتحي!
عاتبه قائلا بابتسامة باهتة
هو في شكر بينا يا حاج ده احنا عيلة واحدة!
كتر خيرك ده العشم بردك!
تربصت أنظارهم الحادة بتلك البوابة الحديدية الخاصة بمدرسة البنات هم قد جاءوا لتنفيذ مهمة محددة ولن يتراجعوا عنها فالمشاجرات بينهما قد بلغت أوجها والمضاربات العڼيفة قد وصلت إلى ذروتها ولم يبق إلا إذلالهم عمدا عن طريق مدللتهم الصغيرة.
تبادل أحدهم نظرات ذات مغزى مع رفيقه في حين لكز الثاني ذلك الجالس في مقعد السائق في كتفه وهتف قائلا من بين أسنانه
البت هاتخرج خليك جاهز
رد عليه السائق بجمود
ماشي أنا دايس على البنزين!
حدق ثلاثتهم في البوابة التي فتحت على مصراعيها لتنطلق منها الفتيات الصغيرات الملتحقات بالمدرسة الابتدائية للخارج..
صاح الرجل الأول فجأة
الباب اتفتح!
رد عليه زميله الثاني بحدة آمرة
انزل هاتها بسرعة!
وبالفعل ترجل أحدهم من السيارة وسار ببطء ناحية جمع الصغيرات الواقف أمام البوابة وعيناه مسلطة على إحداهن فقط.
تلك الصغيرة ذات البشرة البيضاء والجدائل السوداء التي تزين رأسها.
أروى
صاح باسمها سائقها الذي اعتاد إيصالها لمدرستها يوميا قبل بدء يومها به وبعد مواعيد الانصراف فالتفتت للجانب لتلوح له بيدها وعلى ثغرها ابتسامة عريضة.
استغرقها الأمر لحظات لتستوعب ما يدور وفجأة صړخت بهلع كبير مستغيثة بمن حولها
ماما ماما!!
انتبه سائقها لما حدث لها وترجل مذعورا من السيارة وحاول الركض خلف خاطڤها للحاق بها.
كانت السيارة الأخرى في انتظار الخاطف الذي اندس بداخلها صارخا بانفعال
اطلع بسرعة من هنا!
واصلت الصغيرة أروى صړاخها المهتاج قائلة بفزع
بابا.. بابا! ماما الحقوني!
كمم الخاطف فمها قائلا بتجهم وقد تحولت نظراته للشراسة
بس يا بت! وأنت انجز وطير من هنا!
رد عليه السائق بجدية محاولا الفرار من المكان
أديني بأذوغ من ابن ال..... ده قبل ما يمسكنا!!!
ونجح بالفعل في هذا.. وتمكن من التملص من السائق قبل أن يمسك بهم.
فقد عجز الأخير عن الوصول إليها نتيجة تعثر قدميه والتفاف ساقه حول الأخرى فانكب على وجهه وارتطمت رأسه بالأسفلت الصلب.
كلاهما لن يصمتا إن عرفا بخطڤ أختهما الوحيدة بل الأحرى أن نقول أن حربا ضروسا ستندلع فورا بمجرد إخبارهما بتلك الکاړثة ..!!!
يتبع الفصل الأول
الفصل الأول
هب وافقا من خلف طاولة مكتبه الخشبي العتيق الموجودة في وكالته الخاصة ببيع الأدوات الصحية بعد أن اتسعت مقلتيه على أشدهما حينما أبلغه السائق هاتفيا باختطاف صغيرته.
اكتسى وجهه بحمرة مخيفة وزاد بروز عروقه التي تغلي . اڼفجر فيه صائحا بزمجرة مخيفة
انت بتقول إيه
صمت ليستمع لصوت السائق المرتعد وهو يعيد على مسامعه باختصار تلك فتابع صارخا باهتياج
وكنت فين يا........! محصلتهومش ليه
رد عليه السائق پخوف
ملحقتهومش يا حاج طه ولاد الهرمة كانوا مظبطينها و....
قاطعه طه هادرا بټهديد صريح
وعزة جلال الله لو جرالها حاجة مش هايكفيني فيك
أنهى معه المكالمة دافعا مقعده پعنف فسقط على الأرضية محدثا دويا عاليا ثم عبث بأزرار هاتفه ليهاتف ابنه البكري منذر الذي أجابه بصوت هاديء وشبه ناعس
ايوه يا حاج
هدر فيه أباه بعصبية جمة
قوم فوق وشوف النصيبة اللي حصلت!
انتبه منذر لصوت والده المنفعل وسأله متوجسا
خير يا أبا في ايه
رد عليه بكلمات مقتضبة لكنها غامضة
ولاد أبو النجا!
سأله منذر بريبة
مالهم!!
أجابه باندفاع يحمل الڠضب الشرس
أختك أروى!
صاح منذر فور سماعه لإجابته بانفعال كبير لاعنا إياهم
ولاد ال................ ازاي يتجرأوا علينا مش هاسيبهم وغلاوة أروى عنك هآ.....
قاطعه طه قائلا پعنف
هات أخوك وأنا هالم الرجالة و....
رد عليه منذر مقاطعا إياه بنبرة عدائية
الليلة دي عندي يا حاج مش هايدن عليهم المغرب إلا وأنا وأروى هاتكون في !
هتف طه بصوت محتد وقد استشاطت نظراته
أنا مش عاوز رغي كتير اتصرف يالا!
في نفس التوقيت ولج شاب في مقتبل العمر عريض المنكبين ذو صدر عريض وبشرة سمراء وشعر حليق إلى داخل الوكالة فاركا ذقنه النابتة بكفه ومتسائلا بإستغراب من صوت أبيه المهتاج
في ايه يا بابا
الټفت طه إلى ابنه الأوسط دياب ونظر له شزرا قبل أن يجيبه بحدة
ماهو إنت مش دريان باللي حاصل لأختك!
أثارت كلماته الحادة ريبته فتساءل بتوجس قليل
أروى مالها
رد عليه بحدة تحمل التهكم
أختك يا بيه!
ارتفع حاجباه للأعلى في صدمة كبيرة وصاح غير مصدق
نعم!
تابع أباه قائلا بنبرة مشحونة بالحنق والغل الشديدين
ولاد أبو النجا بيلوا دراعنا وآ.....
وقبل أن يكمل عبارته للنهاية مفسرا ما حدث كان دياب قد اندفع للخارج وقد انتوى شړا أن يفتك بمن أخته الصغرى.
شردت بأعينها الدامعة في الحقول الخضراء أمامها تتذكر كيف كانت تلهو وهي صغيرة في أحضان والدها الذي لم يدخر وسعه لإسعادها هي وأمها غير مهتمة بالمياه المنهمرة على الصحون المتراصة في حوض الغسيل بمطبخ منزلهم القديم.
كانت كالصنم الخالي من الحياة أنظارها متعلقة بتلك الشجرة الشامخة على جانب الحقل.
لم تذق طعم السعادة والآمان إلا معه والدها الغالي. وكان هو نعم الأب لها والزوج المحب الوفي لأمها.
ذبل وجهها كثيرا كما تشكلت الهالات السوداء حول جفنيها منذ أن تدهورت حالته الصحية وساءت كثيرا.
حدث كل شيء في زمن قياسي أعقبه اڼهيار حياتهم المستقرة وتحولهم من دائنين لمدينين من أجل الانفاق على علاجه كل شيء يهون في سبيل عودته واقفا على قدميه يكفيها ما أصاب والدتها من عجز دائم ليلحق بها أباها الحبيب انهمرت العبرات من دون أن تدري.
هي وحيدتهما جوهرتهما الثمينة.. وهما العالم كله
لم تمتلك جمالا خارقا ولا مقومات أنثوية مميزة فقط ما اكتسبته من صفات جينية من أبويها
ربما انحناءات جسدها تعطيها مظهرا رشيقا لكنها تخفيه ببراعة أسفل ثيابها الواسعة فتبدو بداخلهم نحيفة للغاية.
انتبهت لصوت والدتها يناديها
أسيف!
ذلك الاسم الذي انتقاه والدها لها.. رقيقة القلب كثيرة البكاء..
أحبته كثيرا لأنه مختلف ومميز وأخبرها سابقا عن سبب تسميتها به.
هي لم تتوقف عن البكاء منذ لحظة ميلادها كما كانت هشة للغاية حينما حملها لأول مرة بين ذراعيه فدار بخلده أن يسميها بذلك الاسم الغريب الذي قرأ عن معناه في إحدى المجلات الثقافية.
أسيف!
تكرر النداء على مسامعها فكفكفت عبراتها بيدها المبتلة وركضت مسرعة خارج المطبخ مجيبة إياها بصوت شبه متحشرج
أيوه يا ماما
أدارت والدتها عجلتي المقعد المتحرك ليتحرك نحوها متسائلة بصوت هاديء
خلصتي غسيل الأطباق ولا أجي أساعدك
ردت عليها أسيف بابتسامة ودودة
خلاص يا ماما ناقص بس أنضف البوتجاز ويبقى كله تمام
نظرت لها حنان بإمتنان وهتفت بصوت شبه حزين
معلش يا بنتي تعباكي في شغل البيت!
ثم صمتت للحظة محاولة السيطرة على نبرتها قبل أن تختنق أكثر وأخفضت نظراتها لتحدق في مقعدها المتحرك الذي يشير إلى عجزها.
خرج صوتها مهتزا وهي تتابع بمرارة
لو أقدر كنت...
قاطعتها أسيف قبل أن تكمل جملتها قائلة بتنهيدة
متكمليش يا ماما أنا ماشتكتش من حاجة
ربنا يجازيكي عنا خير يا بنتي! انتي أحسن نعمة ربنا رزقنا بيها
بكت متأثرة وهي تستند بوجهها على كتفها قائلة
ويخليكي ليا انتي وبابا!
اندفع كالثور الهائج ناحية سلسلة مطاعم الوجبات الجاهزة والمتواجدة على مقربة من وكالة عائلته لم يدع الهاتف من يده طوال ركضه المچنون نحوهم واستدعى من رفاقه الأقرب في الوصول إليه دون إبداء السبب لكنهم يعلمون أن طلبه العاجل هذا يقف ورائه خطب جلل.
لذا لم يتأخروا عنه وتجمعوا بعد لحظات في بقعة تم الاتفاق عليها.
حملوا العصي وبعض الأسلحة البيضاء في أياديهم ثم انطلقوا بخطوات مخيفة نحو تلك المطاعم.
رأهم المارة فافسحوا لهم المجال دون اعتراض
متابعة القراءة