عند دخولي وجدت إحدى المربيات تجلس باكية بشدة،
فدخلت بعدها مباشرة للمديرة وسألتها عن الأمر وأخبرتها أن
أخي يعمل ضابطًا وبإمكاني تقديم شكوى وتصعيدها
لأعلى جهة بشأن القسۏة على الأيتام،
فطلبت مني الهدوء ونادت على الأستاذة نرجس وتركتني
معها بعدما أخبرتها بشأن تواجد جميلة معي، قالت نرجس في ندم:
جميلة إبنتي.
صُدمت لما قالت وقلت في إستنكار:
كيف ذلك ؟ هل تقسو الأم على إبنتها وتُحضرها لدار أيتام !
ليس لها أب شرعيّ، ولذا كان من الصعب أن أواجه المجمتع بها،
وبسبب إقامتي بالدار لفترات طويلة لم يعلم أهلي عن جميلة شيء،
لكني كلما رأيتها أصب ڠضبي وندمي على فعلتي
بها فأعنفها وأضربها لأنها من سلالة ذاك الحقېر،
الذي سلبني أعز ما أملك وورطني بتلك الفتاة وذهب.
أصابني الإشمئزاز من قلبها الأعمى:
وما ذنبها ؟ هل تصبين غضبك وندمك على هذه البريئة التي
لم يكن ذنبها سوى أنها إبنة لشخصين إنعدمت الرحمة في قلوبهم،
أحدهم لم يعترف بها والأخرى يتمتها وهي على قيد الحياة ! ما هذا الجحود ؟
بكت وانتحبت ثم تنهدت وقالت:
إختفائها لهذه الأيام وأنا أعلم أنه بسببي جعلني لا أنام،
لم أعرف قيمتها وحبها المتواري بقلبي إلا حين رحلت،
أصبحت كالمچنونة وبحثت عنها في كل مكان.
هل تمزحين ؟ تعامليها بقسۏة لدرجة الهرب منكِ ثم تبحثين عنها.
إختفائها من أمامي أوجع قلبي وجعلني أراجع حساباتي بشأن
معاملتي لها فرغم ما أفعله معها فأنا لا أطيق ذهابها عني.
حين عدت للبيت لأخذ جميلة وإعادتها لحضن أمها لم أجدها أبدًا فقد رحلت،
حاولت البحث كثيرًا بعدها لكن دون جدوى فقد ضاعت بعيدًا
عن أمها التي عرفت قيمتها بعد فوات الأوان،
فأحيانا لا نعرف قيمة الشيء إلا بعد ضياعه فلا نستطيع معاودته مرة أخرى،
فمثل تلك النرجس لا تستحق سوى الندم مرتين مرة على
ما فعلت بيدها ومرة على ما فعلت بقلبها في إبنتها.
لكن إتضح بعد ذلك أن زوجي كان قد عاد خلال تواجدي بالدار
وعرف حكاية الفتاة فأودعها بدار أيتام يعامل فيها الأطفال بلطف ورحمة،
وتكفل بها تمامًا وأخبرني بالأمر بعد أسابيع ليطمئن قلبي وداومت على زيارتها من فترة لأخرى.
أما عن نرجس فلم أسمع عنها بعد ذلك ربما عادت لأهلها وتزوجت وربما تبحث عن جميلة،
وربما إلتحقت بعمل آخر المهم أنها نالت ما تستحق فربما
لو أخبرتها وضمنت بقائها لعادت لسابق عهدها من قسۏة معها.
البعض لا يتعظ مهما حدث له لكن الزمان كفيل بأن يرد الحقوق لأصحابها.